نبض أرقام
11:50 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/12/03
2025/12/02

خارج البورصة .. من يقود ربحية الصناديق في عالم الأصول البديلة؟

08:00 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

مع تراجع العديد من تقييمات الشركات المدرجة في البورصات العالمية منذ عام 2022، تغيّـرت بوصلة المستثمرين بشكل جذري.

 

فبعد سنوات من الاعتماد على الاكتتابات العامة والتمويل التقليدي، بدأت رؤوس الأموال تتدفق نحو الأسواق الخاصة بحثًا عن فرص أقل تقلبًا وأكثر قدرة على خلق قيمة على المدى الطويل.

 

 

وشهد العقدان الأخيران تحوّلًا جوهريًا في خريطة تدفّق رؤوس الأموال العالمية، إذ تراجعت هيمنة الأسواق العامة بوصفها الوجهة الأساسية للاستثمار، مقابل صعود لافت للأصول البديلة التي باتت تمثل إحدى أكثر الساحات جذبًا للمؤسسات الاستثمارية الكبرى.

 

فمع تزايد التقلبات في البورصات واشتداد المنافسة على العوائد المستقرة، اتجه المستثمرون لا سيما من المؤسسات إلى مساحات استثمارية لا تخضع لقواعد التداول العام، وتمنحهم مستويات أعلى من المرونة والتحكم والربحية.

 

وتُظهر بيانات مؤسسة بريكوين أن الأصول البديلة المدارة عالميًا تجاوزت 13 تريليون دولار في عام 2023، مع توقعات بارتفاعها إلى أكثر من 23 تريليون دولار بحلول 2028.

 

وتعكس هذه الأرقام الانتقال الواضح لرأس المال نحو أدوات استثمارية مثل الأسهم الخاصة، والديون الخاصة، ورأس المال الجريء، وصناديق التحوّط، والعقارات والبنية التحتية.

 

هذا النمو السريع لا يعكس مجرد توسع في حجم القطاع، بل يكشف تغيّـرًا في طبيعة القوى المؤثرة في الأسواق المالية المعاصرة، حيث أصبحت القرارات الاستثمارية الأكثر تأثيرًا تُتخذ اليوم خارج البورصات التقليدية.

 

وفي ظل هذا التحول، لم يعد السؤال المهم هو: لماذا تتوسع الأصول البديلة؟ بل أصبح من الذي يقود ربحية هذه الصناديق؟ ومن المستفيد الأكبر من تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق غير المدرجة؟

 

فالبيئة الاستثمارية في عالم الأصول البديلة باتت معقدة ومتعددة الأطراف وتشمل صناديق التقاعد الحكومية وصناديق الثروة السيادية اللتين أصبحتا الممول الأكبر لهذا القطاع.

 

في المقابل أصبحت شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط هي المحرك الرئيس للعوائد، مستفيدة من استراتيجيات متطورة تتضمن إعادة هيكلة الشركات والاستحواذات والتمويل الخاص.

 

ويرى العديد من الخبراء أن الشركات التي تتحول إلى الملكية الخاصة وتقع خارج دائرة الشفافية العامة تُدار بأساليب تعطي المستثمرين الكبار أفضلية واضحة على حساب المستثمرين الأفراد.

 

 

هذا التوازن الجديد للقوة المالية خلق نظامًا استثماريًا تتوزع فيه الأرباح بشكل غير متساوٍ، وأصبح فهمه أمرًا ضروريًا لتقييم مستقبل التمويل العالمي.

 

فمن يحدّد اتجاهات السوق اليوم لم يعد المستثمر التقليدي في البورصة، بل كيانات تملك قدرة أكبر على الوصول للمعلومات والصفقات غير المتاحة للعامة، ما يجعل عالم الأصول البديلة مساحة مغلقة لا يدخلها إلا اللاعبون الكبار.

 

رسوم وأصول.. أسس ربحية الصناديق البديلة

 

تعتمد ربحية الصناديق البديلة بشكل أساسي على ثلاثة محركات مركزية وهي حجم الأصول المدارة، والرسوم الإدارية السنوية، ورسوم الأداء.

 

وغالبًا ما تفرض صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة رسومًا أعلى من الوسط السائد في إدارة الأصول العامة، لأن قيود المنافسة أقل، والاستثمارات أكثر تعقيدًا ومخاطرة.

 

فعلى سبيل المثال قد يدفع المستثمر 2% رسوم إدارة سنوية على الأصول بجانب رسوم أداء قد تصل لنحو 20% من الأرباح المحققة فعليًا، ما يجعل مدير الصندوق يحصل على جزء من العائدات التي يولدها للمستثمرين.

 

وعند دمج هذه الرسوم مع حجم أصول كبير تحت الإدارة، تنشأ إيرادات ضخمة حتى قبل تحقيق أرباح فعلية.

 

ومن الأمثلة البارزة التي تُظهر كيف تعتمد شركات إدارة الأصول على توسيع حجم الأصول عالية الهامش لتعزيز تدفقاتها من الرسوم، إعلان بلاك روك في ديسمبر 2024 عن استحواذها على إتش بي إس إنفستمينت بارتنرز في صفقة قُدرت بـ12 مليار دولار أمريكي.

 

وتمثل هذه الخطوة امتدادًا مباشرًا للاتجاه الذي تتبناه الشركات الكبرى لبناء منصّات ضخمة في الائتمان الخاص والأسواق الخاصة، حيث تُولَّد رسوم إدارة ثابتة حتى قبل تحقيق أي أرباح أداء.

 

وبانضمام إتش بي إس التي تشرف على عشرات المليارات من الدولارات في أدوات الإقراض الخاص، تضيف بلاك روك قاعدة كبيرة من الأصول التي تدفع رسومًا مستمرة، ما يعزز قدرتها على بناء إيرادات مستقرة عالية الجودة يمكن التنبؤ بها بوضوح أكبر.

 

 

النتيجة العملية أن الصناديق نجحت في تحقيق ربحية أسرع ومنحنيات إيرادات مستقرة، حتى قبل تحقيق الصفقات الكبرى أو تخارجات.

 

وبمرور الوقت، تتيح هذه الهياكل للمديرين التخطيط بعائدات متوقعة، وتحريك عمليات النمو والتوسع بثقة.

 

كما أن تنويع الاستراتيجيات يتيح لمنصات إدارة الأصول إنشاء منصّة متكاملة تقدم خدمات متعددة وتحقق رسومًا من عدّة مصادر مثل الإدارة والاستشارات والتمويل وهيكلة الديون وغيرها من العمليات.

 

هذا التنويع يقلّل من تقلبات السوق، ويضمن تدفّق مستقر للإيرادات حتى في البيئات غير المستقرة.

 

تنويع الاستراتيجيات وتحقيق مزيد من الأرباح

 

ليست كل أنواع الأصول البديلة تنتج الربح ذاته، ففي السنوات الأخيرة تفردت فئتان بأنماط أرباح مستقرة وسريعة هما الائتمان الخاص والسوق الثانوية.

 

ففي الولايات المتحدة مثلاً بلغ حجم سوق الائتمان الخاص نحو 1.5 تريليون دولار أمريكي عام 2024 مع توقعات بأن يتجاوز 2 تريليون دولار عالميًا خلال الأعوام القليلة المقبلة.

 

المحرك لهذا النمو ليس فقط العائد المرتفع على القروض، بل أيضًا انسحاب البنوك من بعض شرائح الإقراض بعد معايير تنظيمية مشدّدة، وهو ما أتاح لشركات الائتمان الخاص فرصة لملء الفراغ.

 

هذا الأمر مكّـن المديرين من تحقيق عوائد متعددة عبر الفوائد، والرسوم، وهيكلة الصفقات أي تحقيق ما يعرف بـ"ألفا" وهو مصطلح يشير إلى مقياس العائد الإضافي الذي يولّده مدير الصندوق بعد خصم تأثير حركة السوق.

 

فعلى سبيل المثال لو السوق ارتفع 5% والصندوق ارتفع 8%، فإن ألفا هنا تقدر بـ3%.

 

إلى جانب ذلك نمت أهمية السوق الثانوية بشكل كبير، في 2024، بلغ حجم التداول في الأسواق الثانوية ضمن الأسهم الخاصة نحو 162 مليار دولار أمريكي، وهو أعلى مستوى في التاريخ، بزيادة تقدر بـ45% عن عام 2023.

 

 

هذه المعاملات أتاحت للمستثمرين الأصليين والمديرين تصفية حصصهم أو إعادة هيكلتها بسرعة، وتحولت السيولة في هذا السوق إلى مصدر ربح بحد ذاته.

 

لكن الربحية عبر الأسهم الخاصة التقليدية أصبحت أكثر تأثرًا بدورات السوق مثل أسعار الفائدة، وتكاليف التمويل وهو ما يعني أن العائد يمثل قفزة كبيرة عند النجاح، لكنه غير مضمون إذا تأخّـر توقيت بيع الأصول أو لم تكن ظروف السوق مواتية.

 

في المقابل، القروض الخاصة والتداولات الثانوية تقدمان تدفقات متوسطة أو مستقرة، وتُعتبر أقل حساسية لتقلبات السوق العامة.

 

لذا باتت النتيجة واضحة، إذ إن الصناديق التي أثبتت نجاحها ليست تلك التي تعتمد فقط على صفقات كبيرة نادرة، بل التي اختارت مزيجًا استراتيجيًا يؤمن لها عوائد ثابتة مع إمكانيات ربح رأسمالي وهو ما يوفر أفضل بيئة لربحية مستدامة.

 

من أين يأتي التفوق الحقيقي في الربحية؟

 

في عالم الأصول البديلة، تتجاوز مصادر الربحية مجرد الرسوم أو تضخم الأصول تحت الإدارة، إذ تظهر الفروق الحقيقية في القدرات التشغيلية التي تملكها المنصات الكبرى مقارنة بغيرها.

 

فالمديرون الذين يمتلكون قدرة استثنائية على الوصول المبكر والمستمر للصفقات يتمتعون عادة بهوامش أفضل عند الشراء، سواء عبر علاقات متينة مع المستثمرين المحدودين أو شراكات توزيع تمنحهم تدفّقًا ثابتًا للفرص.

 

هذا النوع من الوصول لا يقلل فقط من تكلفة الدخول، بل يرفع أيضًا احتمالات تحقيق أرباح أعلى عند التخارج.

 

وقد أظهرت بيانات الصناعة أن الصناديق التي تمتلك فرق تشغيلية داخلية قادرة على رفع أرباح الشركات بنسبة تتجاوز 20% خلال سنوات قليلة، ما يمنحها تفوقًا واضحًا عند مقارنة أدائها مع الصناديق التي تعتمد فقط على النمو الطبيعي للأعمال.

 

كما تلعب مرونة الميزانية دورًا متصاعدًا في رسم خريطة الربحية حيث تُعد السوق الثانوية مثالًا بارزًا على ذلك، إذ تجاوزت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات في 2024، ما أتاح للمديرين إعادة هيكلة المحافظ بدلًا من انتظار بيئة أفضل للخروج.

 

في المحصلة، يتبيّـن أن التفوق الحقيقي في عالم الأصول البديلة يصنعه من يجمع بين ضخامة الأصول، واستراتيجيات عالية الهامش، وقدرات تشغيلية وتمويلية تمنحه أفضلية في الوصول للصفقات، وتسريع خلق القيمة، والتحكم في توقيت تحقيق الأرباح.

 

وتؤكد بيانات السوق أن الربحية باتت تتركز في المنصات التي تتحكم بعمق في اقتصاديات ما يجري خارج البورصة، وتملك الأدوات التي تسمح بتحويل كل نقطة إلى عائد فعلي مستدام.

 

المصادر: أرقام- ريكوين- بين آند كومباني- الاحتياطي الفيدرالي الأميركي- لازارد- فايننشال تايمز- برودريدج- بلاك روك

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.